الاعتراف في القانون الجنائي: حجيته وشروط صحته ومدى كفايته للادانة

 

بقلم الاستاذة/عائشة محمد

 المحامية

aishahassan@aiolegalservices.com

اولا: ما هو الاعتراف فى القانون الجنائى:

الاعتراف هو إقرار يصدر عن المتهم بإرادته الحرة بارتكابه الجريمة المنسوبة إليه ،سواء كان اعترافا  كاملا أو جزئيا امام جهة التحقيق او المحكمة او حتى خارجها، ويعد الاعتراف تصرفا اراديا ينسب الى المتهم نفسه، ويعتبر من وسائل الإثبات التي تخضع لتقدير المحكمة. 

ثانيا: ما هي أنواع الاعتراف:

-اعتراف كلى : هو إقرار المتهم بارتكاب الجريمة كاملة الأركان ، دون إنكار أي جزء منها سواء كان أمام جهة التحقيق أو المحكمة  

اهميته : يكون من أقوى وثيقة لإثبات حيث اعترف المتهم بكل تفاصيل الجريمة  

-اعتراف جزئي : وهو الذى يعترف فيه المتهم ببعض الوقائع المتعلقة بالجريمة ، أو يعترف بجزء من التهمة الموجهة اليه

اهميته : قد يساعد في إثبات جانب معين من القضية ، لكنه ليس كافيا وحده الإدانة الكاملة.

-الاعتراف الصريح : وهو اعتراف واضح لا يحتمل أي تأويل ، يقول المتهم كلمات صريحة تثبت ارتكابه للجريمة  مثال  ” انا ارتكبت الجريمة فى يوم كذا “

اهميته :  من الصعب إنكار هذا النوع من الاعتراف .

-الاعتراف الضمني : هذا النوع من الاعتراف يكون غير مباشر ولا يقول المتهم “أنا فعلت كذا” ولكن يتم استنتاجه من أقوال أو أفعال المتهم التى توحى بأنه يعترف بالفعل 

مثال : المتهم حين يتوقف عن الإنكار ويبدأ بتفسير بعض الأحداث التي تثبت ارتكابه للجريمة مثلا 

 ” انا فعلا كنت معاه وقت الحادث بس ماليش دعوة باللى حصل ” فان ذلك يعد اعترافا ضمنيا بوجوده في مكان الجريمة.

مثال اخر ” هو استفزني وكنت بدافع عن نفسى ” فان ذلك يعد إقرار ضمن بقيامه بالتعدى  

اهميته : رغم أنه غير صريح ، إلا أن المحكمة تعتبره دليلا إذا كان منطقيا ومتوافق مع باقى الأدلة .

-الاعتراف القضائي : يقدمه المتهم أمام جهة قضائية رسمية مثل النيابة او المحكمة اثناء التحقيق أو المحاكمة وهذا النوع له قوة كبيرة لأنه يكون مسجلا فى المحضر الرسمى.

-الاعتراف الغير قضائي : يتم هذا الاعتراف خارج المحاكم مثل الاعتراف أمام الشرطة أو الشهود أو حتى أشخاص عاديين قبل بدء التحقيق القضائي 

 

محكمة النقض – الطعن رقم 5173 لسنة 4 القضائية 

أكدت محكمة النقض مبدأ مهمًا يقضي بأن :-

“الاعتراف فى المسائل الجنائية يعد من عناصر الاستدلال، وللمحكمة حرية تقدير الاعتراف في القضايا الجنائية، ويجوز لها الأخذ باعتراف المتهم  سواء كان في حق نفسه أو في حق غيره من المتهمين حتى ولو تراجع عن اعترافه لاحقًا ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة”

 

ثالثا : ماهى شروط صحة الاعتراف :

لكي يكون الاعتراف صحيحا ومقبولا كدليل في المحكمة يجب توافر عدة شروط أساسية وهى كالاتى:-

1: الإرادة الحرة :-

يجب أن يكون الاعتراف صادرا عن المتهم بإرادته الحرة دون أى ضغط أو إكراه مادى أو معنوى لأن الاعتراف الذي يكون تحت التهديد أو الإكراه أو العنف يكون باطلا ولا يعتد به 

وتعد ضغوط مثل طول فترة التحقيق ، الحبس الانفرادى ،أو الحرمان من الراحة والطعام ،من الوسائل التي قد تؤثر على حرية الإرادة ويبطل الاعتراف ان ثبت استخدامها.

فى الطعن رقم 23657 لسنة 65 ق :

اعتبرت المحكمة أن الاعتراف باطل إذا صدر نتيجة إكراه مادي مثبت التعذيب ، وأنه يجب على المحكمة التحقيق في صحة هذه الادعاءات.

وفي الطعن رقم 18823 لسنة 65 ق: 

رفضت المحكمة دفع بطلان الاعتراف لكون المتهم محتجزا انفراديا إذا لم يثبت وجود ممارسات تعسفية تمثل إكراها معنويا.

 

2: أن يكون من المتهم على نفسه:-

يشترط فى الاعتراف ليعتد به أن يكون من المتهم بنفسه قبل سماع الشهود ويكون من المتهم على نفسه حيث حجية الاعتراف قاصرة على المتهم فقط ، وفى المادة 271 إجراءات تنص على “جواز الاكتفاء بالاعتراف وحده من المتهم فى الحكم عليه دون الحاجة الى سماع الشهود او اى ادلة اخرى بشرط ان يكون الاعتراف كافيا لتكوين عقيدة المحكمة ، ،ولذلك الأقوال الصادرة من متهم على متهم آخر فلا تعد اعترافا صحيحا بل تعتبر شهادة متهم على متهم آخر وتعد استدلالات ولا تصح فى أن تكون سبب فى عدم سماع الشهود ومع ذلك لا يوجد ما يمنع القاضي من الأخذ بها كقرينة استدلالية إذا اطمأن إلى صدقها

 

أكدت محكمة النقض فى الطعن رقم 6840 لسنة 60 ق:

ان كل متهم على متهم آخر يعد شهادة يمكن للمحكمة أن تستند إليها فى تكوين عقيدتها عند  الحكم عليه وتقدير صحة هذه الأقوال يعود لسلطة محكمة الموضوع بحسب ظروف القضية حتى لو صدرت هذه الأقوال بإجراء تحقيق باطل المحكمة يمكنها الأخذ بها إذا رأت صدقها وعدم تأثرها بالخطأ الاجرائى.

 

3: توافر الأهلية الإجرائية :

الأهلية الإجرائية تعنى قدرة المتهم التصريح باعتراف صحيح ينتج آثارا قانونية وتشمل شرطين أساسيين:-

1-أن يكون المتهم اعترف بارتكابه الجريمة ، وأن تتوافر لديه التمييز والإدراك وقت الاعتراف بمعنى القدرة على فهم كل أفعاله وتوقيع نتائجها وليس ضرورة فهم القوانين، ويعفى القانون المصرى صغار السن تحت سن (7 سنوات ) من المسؤولية ، ولا يعتد فى الاثبات باعتراف المتهم (المجنون أو المصاب بعاهة في العقل ، و الغيبوبة الناتجة عن السكر والمخدرات )

أكدت محكمة النقض فى الطعن رقم 9367 لسنة 65 ق : 

إن الاعتراف يجب أن يصدر من المتهم وهو فى كامل وعيه وإرادته الحرة حتى يعتد به كدليل فى الحكم فلا يجوز الاستناد إلى اعتراف متهم فى حالة فقدان الإرادة أو تحت تأثير مخدر سلب إرادته.

كما أوضحت محكمة النقض فى حكم آخر نقض 600 لسنة 62 ق : 

ان المرض العقلى (الجنون أو العاهة العقلية ) الذى ينعدم معه الإدراك والفهم والمسؤولية الجنائية يختلف عن الاضطرابات النفسية التى تؤدى الى فقدان الإدراك حيث انها لا تعفى من المسؤولية الجنائية

 

4: أن يكون الاعتراف قضائيا:

أن يكون الاعتراف يصدر من المتهم أمام الجهة القضائية مثال ( المحكمة أو قضاء التحقيق “النيابة”) وهذا الاعتراف يكفى ولوكان هو الدليل الوحيد مادام قد توافرت شروط صحته.

أكدت محكمة النقض فى الطعن رقم 348 لسنة 60ق :

قضت المحكمة بأن الاعتراف الصادر من المتهم أمام النيابة العامة والذى لم يكن بحضور الضبط القضائى يعد دليلا مستقلا وصحيحا إذا اطمأنت المحكمة الى صحته حتى لو تراجع المتهم عنه أثناء المحاكمة وأكدت المحكمة أن الاعتماد على هذا الاعتراف وحده دون الرجوع واقعة الضبط صحيحة قانونيا.

 

5: أن يكون الاعتراف صادرا عن ظروف قانونية سليمة :

إذا كان الاعتراف ناتجا عن إجراء باطل مثل ( استجواب غير قانونى ،أو تفتيش مخالف ، وعدم دعوة محامى المتهم الى الحضور قبل الاستجواب فى غير حالة التلبس ، أو عرض غير مشروع للتعرف  ) فإن هذا الاعتراف يكون غير معتبر متى ثبت وجود صلة سببية بين الأجراء والاعتراف ، اما اذا تم الاعتراف بصورة مستقلة ، أو أمام جهة اخرى بعد زوال اثر البطلان فيجوز أن يعتد به حتى لو أًبطل الإجراء السابق.

وفى النقض رقم 348 لسنة 60 ق:

يمكن للمحكمة الاستناد الى الاعتراف وحده اذا اقتنعت بصدقه وتجرده من التأثر بالإجراء الباطل وأن تقدير مدى تأثير الاعتراف يدخل تحت سلطتها الموضوعية .

 

رابعا : هل يجوز الرجوع عن الاعتراف :

يجوز للمتهم أن يرجع عن اعترافه في أي وقت قبل صدور الحكم النهائى سواء اثناء التحقيق او فى جلسات المحاكمة ، لكن الرجوع لا يعني أن الاعتراف يسقط من قيمته القانونية أو يلغي أثره في الإثبات فالأمر يعتمد على تقدير المحكمة ، فإذا رأت  أن الاعتراف  صدر بحرية وصدق ولم يكن نتيجة إكراه أو ضغط يمكنها أن تأخذ به رغم رجوع المتهم عنه 

اما اذا كان الاعتراف الاول غير موثوق به أو صدر تحت تأثير ضغوط أو إكراه فإن المحكمة قد ترفضه بناءا على هذا الرجوع 

باختصار الرجوع عن الاعتراف جائز لكنه لا يضمن الغاءه ، أو عدم اخذه بعين الاعتبار ويظل القرار فى قبول الاعتراف او رفضه فى يد المحكمة حسب ظروف كل قضية .

 

 

 

 

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*