
بقلم الأستاذ / حسام عبد المجيد السيد
المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
حماية الحياة الخاصة في التشريع المصري
إن المشرّع، من منطلق حرصه الشديد على حماية الحقوق والحريات، وإيمانًا منه بحق الإنسان في الحياة الخاصة، لم يكتفِ بالنصوص القانونية في مواجهة ما ينطوي عليه استخدام وسائل التقنية الحديثة من انتهاكات وتهديدات للحق في الخصوصية، بل أدرج هذا الحق أيضًا في نصوصه الدستورية، وتحديدًا في المادتين 57 و31 من الدستور المصري لعام 2014.
تجريم انتهاك الخصوصية في القانون المصري
وقد أورد المشرّع نصًا مستقلًا هو المادة 25 من القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والتي نصت على أنه: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو انتهك حرمة الحياة الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة.”
نطاق التجريم وتطبيقات قضائية
ويُستفاد من المادة السابقة أن كل فعل ينطوي على اعتداء يقع على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو انتهاك حرمة الحياة الخاصة، أو القيام بإرسال رسائل إلكترونية لشخص معين بكثافة دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقة صاحب الشأن، أو نشر معلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات ويترتب عليها انتهاك خصوصية أي شخص دون رضاه، يُعد جريمة معاقبًا عليها سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة.
وتطبيقًا لهذا النص، صدر حكم المحكمة الاقتصادية بجلسة 30/8/2018 في الجنحة رقم 2099 لسنة 2015 جنح طنطا الاقتصادية، حيث جاء في حيثيات الحكم: “وفي ذات السياق سبق أن قضى بأنه بالدخول على عنوان البريد الإلكتروني الخاص بالمواطن… وفحصه تبيّن الآتي: وجود رسالة مرسلة إلى عنوان البريد الإلكتروني الخاص به وهو… من عنوان البريد الإلكتروني الخاص بالمواطنة… بعنوان “من…” صادرة من رقم تعريفي (البصمة الإلكترونية… : Ip) بتاريخ… الساعة… مساءً بتوقيت القاهرة، ولمعرفة مكان إرسال الرسالة يُستعلم عن الأرقام التعريفية المشار إليها في التاريخ والوقت المحددين من شركة “…”. وهو ما تطمئن معه المحكمة ويثبت في يقينها من التقرير الفني أن المتهم هو الذي قام بإرسال الرسائل على موقع المجني عليها ووضعها على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، ولا يغير من ذلك إنكار المتهم لارتكاب الفعل الإجرامي، إذ ثبت تعدد الأفعال المجرمة قانونًا، من خلال تعمد المتهم إزعاج المجني عليها وسبها وخدش حيائها والإساءة إليها، مما استوجب تطبيق نص الجريمة الأشد من المحكمة”.
العقوبات التبعية لجرائم انتهاك الخصوصية
وتوجد عقوبات تبعية لتلك الجرائم، وهذا ما أكدته المادة 38 من القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، حيث نصت على أنه: “مع عدم الإخلال بحقوق الغير حسن النية، على المحكمة في حالة الحكم بالإدانة في أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون أن تقضي بمصادرة الأدوات والآلات والمعدات والأجهزة مما لا يجوز حيازته قانونًا، أو غيرها مما يكون قد استُخدم في ارتكاب الجريمة أو ساهم في ارتكابها. وفي الحالات التي يتعين لمزاولة النشاط فيها الحصول على ترخيص من إحدى الجهات الحكومية، وكان الشخص الاعتباري المدان بأي جريمة منصوص عليها في هذا القانون لم يحصل على الترخيص، يُحكم فضلًا عن العقوبات المقررة بالغلق”.
ومن العقوبات التبعية أيضًا ما نصت عليه المادة 39 من ذات القانون بقولها: “للمحكمة إذا قضت بالإدانة على أحد الموظفين العموميين لارتكابه جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون أثناء وبسبب تأديته لوظيفته أن تقضي بعزله من وظيفته مؤقتًا، إلا في الحالات المشار إليها في المادة 34 من هذا القانون فيكون العزل وجوبيًا”.
ومن هنا يتضح أن العقوبات التبعية ثلاثة، هي:
مصادرة الأدوات والآلات والمعدات والأجهزة المستخدمة في الجريمة.
الغلق إذا استلزم النشاط الحصول على ترخيص.
العزل إذا كان مرتكب الجريمة موظفًا عامًا.
مدى جواز التصالح في جرائم انتهاك الخصوصية
وهنا يثار تساؤل آخر: هل يجوز الصلح أو التصالح في جرائم الاعتداء على الحياة الخاصة وانتهاك الخصوصية والمحتوى المعلوماتي غير المشروع؟
في الواقع، لا يجوز التصالح في هذه الجريمة، وذلك لأن القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات أورد على سبيل الحصر الجرائم التي يجوز التصالح فيها وفقًا للمادة 42، والتي نصت على أنه: “يجوز للمتهم في أي حالة كانت عليها الدعوى الجنائية، قبل صيرورة الحكم باتًا، إثبات الصلح مع المجني عليه أو وكيله الخاص أو خلفه العام أمام النيابة العامة أو المحكمة المختصة بحسب الأحوال وذلك في الجنح المنصوص عليها في المواد (14، 15، 16، 17، 18، 19، 23، 26، 28، 30، 31) من هذا القانون…”.
وبالتالي، لم تنص المادة السابقة على الجرائم الواردة بالمادة 25 من ذات القانون، وعليه، لا يجوز الصلح أو التصالح في جرائم الاعتداء على الحياة الخاصة أو انتهاك الخصوصية أو المحتوى المعلوماتي غير المشروع.
بقلم الأستاذ / حسام عبد المجيد السيد
المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
Leave a Reply