مقال قانوني مفصل حول عقود الإذعان: تحليل المشكلات والتأثيرات التي قد تنجم عن تفسيرها

مقال قانوني مفصل حول عقود الإذعان: تحليل المشكلات والتأثيرات التي قد تنجم عن تفسيرها

 

 

بقلم الآستاذ/ حسن يحيى المحامي

في المقال والعرض التالي، يلقى “التكامل القانوني” الضوء على إشكالية عقود الإذعان ومدى خطورة تفسير عقود الٱذعان، وهل يكون التفسير لصالح الطرف الأقوى في العقد.

نشأت عقود الإذعان نتيجة ظهور شركات ومؤسسات ضخمة تقدم خدمة تقدم الضروريات الأساسية للمستهلك ولا يمكنه الاستغناء عنها، كما هو الحال في عقود توزيع المياه والكهرباء والغاز، الهاتف، الإيجار، القرض، النقل، التأمين وغيرها، وتدون هذه الشروط التي لم يناقشها المستهلك في العقد أو فاتورة أو تذكرة تقدم من طرف المذعن “الطرف القوي” في العقد ولا تقبل مناقشة من الطرف الثاني، مما يجعله مضطرا للرضوخ والتسليم بها كما هي.

غالبا ما يصدرُ عقَ الإذعانُ في قالبٍ نموذجيٍ كعقدِ استهلاكِ الغُاز والمياهَ والتليفونِ ، ويتميزَ عقدُ الإذعانِ بأنَ العقدَ يتعلقُ بضرورةٍ منْ الضروراتِ بالنسبةِ للمستهلكينَ أوْ المستفيدينَ المنتفعينَ بهِ وعليهمْ القبولُ بذلكَ العقدِ ، كما يتميزُ عقدَ الإذعانِ بأنَ أحدَ المتعاقدينَ يكونُ في مركزٍ اقتصاديٍ كبيرٍ يمكنهُ منْ احتكارِ السلعةِ كما يتميزُ بأنَ الطرفَ القابلَ دائما يسلمُ بشروطٍ المذعنِ لاحتياجهِ لذلكَ السلعِ أوْ المرافقِ مما يجعلهُ مضطرا للرضوخِ والتسليمِ بها كما هيَ دونَ أيِ نقاشٍ كأنهُ أمرٌ وجوبيٌ لاستفادتهِ منْ تلكَ الخدمةِ أوْ السلعةِ أوْ المرفقِ. 

 وطبقا للمادة ١٠٠ منْ القانونِ المدنيِ رقمِ ١٣١ لسنةِ ١٩٤٨ ” القبول فى عقد الإذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة “

حيث ان انعقاد عقد الإذعان يتمثل في القبول و يقتصر على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها، وقد أوردت المذكرة الإيضاحية للقانون المدنى قولا هاما مفاده أنه وأن كان الأصل فى تفسير العقود أن الشك يفسر لمصلحة المدين وليس الدائن عند غموض عبارات النص غموضا لايتيح زواله إلا أن المشرع قد استثنى من حكم هذا الأصل عقود الإذعان، وجعل الشك يفسر فيها لصالح الطرف المذعن دائنا كان أو مدينا. 

وخصائص عقد الإذعان خمس:

١-الإيجاب في عقد الإذعان يتميز بأنه معروض بشكل مستمر على كافة الناس.

٢-الإيجاب يكون ملزما للموجب لمدة أطول من الإيجاب في العقود المعتادة.

٣-عقد الإذعان غالبا ما يكون مكتوبا بصفة مسبقة.

٤-الطرف القوي في عقد الإذعان غالبا ما يكون محتكرا للسلعة أو الخدمة.

٥-غياب مناقشة بنود العقد. 

عقدُ الإذعانِ لهُ قوتهِ الملزمةِ اتجاه أطراف العقد ويكون بمثابةِ القانونِ بالنسبةِ لهما ، وذلكَ طبقا لقاعدة العقدُ شريعةً المتعاقدينَ المذكورةَ في المادةِ رقمِ ١٤٧ منْ القانونِ المدنيِ رقمِ ١٣١ لسنةِ ١٩٤٨ ، لذلكَ ولحمايةِ للطرفِ الضعيفِ في هذا العقدِ ، خرجَ المشرعُ المصريُ عنْ هذهِ القاعدةِ ومنحٍ للمذعنِ حقِ اللجوءِ للقضاءِ للتعديلِ أوْ الإعفاءِ منْ هذهِ الشروطِ التعسفيةِ وفقا لما تقتضي بهِ العدالةُ وجعلُ ذلكَ منْ النظامِ العامِ ، ومنْ جهةٍ أخرى وضعَ استثناءِ بخصوصِ قاعدةِ تفسيرِ الشكِ لمصلحةِ المدينِ ، إذْ نصَ على أنهُ لا يجوزُ أنْ يكونَ تأويلُ العباراتِ الغامضةِ في عقودِ الإذعانِ ضارا بمصلحةِ الطرفِ المذعنِ مدينا كانَ أوْ دائنا .

وأن  كان المذعن فيه ذو أرادة أوسع وأكبر، وجاء نص القانون المصرى فى المادة ١٤٩ منْ القانونِ المدنيِ رقمِ ١٣١ لسنةِ ١٩٤٨ على أنه ” إذا تم العقد بطريق الإذعان وكان قد تضمن شروطا تعسفية جاز للقاضى أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفى الطرف المذعن منها، وذلك وفقا لما تقضى به العدالة ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك”، وهذا النص أعطى للقضاء حرية فى إنزال حكم القانون وقواعد العرف والعدالة إذا رأى هناك تعسفا لا مبرر له من قبل الطرف المذعن غالبا وترك الأمر لتقدير القضاء الموضوعى .

كما حيث نصت علي ذلك في المادة ١٥١ منْ القانونِ المدنيِ رقمِ ١٣١ لسنةِ ١٩٤٨ علي أنه ” يفسر الشك في مصلحة المدين ، ومع ذلك لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضاراً بمصلحة الطرف المذعن “.

يتضح من هذا النص رفض تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان أن يكون ضاراً بمصلحة الطرف المذعن وعليه أنه يستطيع القاضي استبعاد الشروط التعسفية من عقود الإذعان ، ولكن يشترط أن يكون العقد عقد إذعان وأن يكون الشرط تعسفياً ، أما إذا كان العقد ليس بعقد من عقود الإذعان ، فلا يستطيع القاضي استبعاد تلك الشروط.

حيث أن عقود الإذعان تتميز بإجتماع مشخصات ثلاثة : أولها تعلق القعد بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات الأولي بالنسبة للمستهلكين أو المنتفعين ، والثاني احتكار هذه السلع احتكارا قانونياً أو فعلياً أو قيام منافسة محدودة النطاق بشأنها ، والثالث توجيه عرض الانتفاع بهذه السلع أو المرافق إلي الجمهور بشروط متماثلة علي وجه الدوام بالنسبة لكل فئة منها .

وفي النهاية: إذا تم التوقيع على عقد من عقود الإذعان فإن المذعن من قبل الطرف الثاني المتعاقد “المذعن إليه”، فإن ذلك يعتبر رضاءاً منه بكافة بنود العقد ولا يمكنه التنصل منها ولكن يكون له حق المطالبة بتخفيف هذه الشروط المتعسفة والتي تصب فقط في مصلحة الطرف الأول الأقوى “الذاعن”.

 

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.


*